فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال الفراء والكسائي: في باب أما وإما إذا كنت آمرًا أو ناهيًا أو مخبرًا فهي مفتوحة وإذا كانت مشترطًا أو شاكًا أو مخيرًا فهي مكسورة تقول في المفتوحة أما الله فاعبدوه وأما الخمر فلا تشربوها وأما زيد فقد خرج.
وأما النوع الثاني: فتقول: إذا كنت مشترطًا، إما تعطين زيدًا فإنه يشكرك، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ في الحرب فَشَرّدْ} [الأنفال: 57] وتقول في الشك لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو، وتقول في التخيير، لي بالكوفة دار فإما أن أسكنها، وإما أن أبيعها والفرق بين، أما إذا أتت للشك وبين أو، أنك إذا قلت جاءت زيد أو عمرو فقد يجوز أن تكون قد بنيت كلامك على اليقين ثم أدركك الشك فقلت أو عمرو فصار الشك فيهما جميعًا فأول الإسمين في أو يجوز أن يكون بحيث يحسن السكوت عليه ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر، ألا ترى أنك تقول: قام أخوك وتسكت، ثم تشك فتقول: أو أبوك، وإذا ذكرت إما فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك وليس يجوز أن تقول ضربت إما عبد الله وتسكت وأما دخول {أَن} في قوله: {إِمَّا أَن تُلْقِىَ} وسقوطها من قوله: {إِمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 106] فقال الفراء: أدخل {أَن} في {إِمَّا} في هذه الآية لأنها في موضع أمر بالاختيار وهي في موضع نصب، كقول القائل: اختر ذا أو ذا، كأنهم قالوا اختر أن تلقي أو نلقي وقوله: {إِمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} ليس فيه أمر بالتخيير.
ألا ترى أن الأمر لا يصلح هاهنا، فلذلك لم يكن فيه أن والله أعلم.
المسألة الثانية:
قوله: {إِمَّا أَن تُلْقِىَ} يريد عصاه {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} أي ما معنا من الحبال والعصي فمفعول الإلقاء محذوف وفي الآية دقيقة أخرى وهي أن القوم راعوا حسن الأدب حيث قدموا موسى عليه السلام في الذكر وقال أهل التصوف إنهم لما راعوا هذا الأدب لا جرم رزقهم الله تعالى الإيمان ببركة رعاية هذا الأدب ثم ذكروا ما يدل على رغبتهم في أن يكون ابتداء الإلقاء من جانبهم وهو قولهم: {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} لأنهم ذكروا الضمير المتصل وأكدوه بالضمير المنفصل وجعلوا الخبر معرفة لا نكرة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي} الآية، {أن} في قوله: {إما أن} في موضع نصب أي إما أن تفعل الإلقاء، ويحتمل أن تكون في موضع رفع أي إما هو الإلقاء، وخير السحرة موسى في أن يتقدم في الإلقاء أو يتأخر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا فعل المدل الواثق بنفسه، والظاهر أن التقدم في التخيلات والمخارق والحج، لأن بدليتهما تمضي بالنفس، فليظهر الله أمر نبوة موسى قوى نفسه ويقينه ووثق بالحق فأعطاهم التقدم فنشطوا وسروا حتى أظهر الله الحق وأبطل سعيهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين}.
قال الزمخشري تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يتخاوضوا في الجدال والمتصارعين قبل أن يأخذوا في الصراع انتهى.
وقال القرطبي تأدّبوا مع موسى عليه السلام بقولهم: {إما أن تلقى} فكان ذلك سبب إيمانهم والذي يظهر أنّ تخييرهم إياه ليس من باب الأدب بل ذلك من باب الإدلال لما يعلمونه من السحر وإيهام الغلبة والثقة بأنفسهم وعدم الاكتراث والابتهال بأمر موسى كما قال الفرّاء لسيبويه حين جمع الرشيد بين سيبويه والكسائي أتسأل فأجيب أم أبتدىء وتجيب فهذا جاء التخيير فيه على سبيل الإدلال بنفسه والملاءة بما عنده وعدم الاكتراث بمناظرته والوثوق بأنه هو الغالب، قال الزمخشري: وقولهم: {وإما أن نكون نحن الملقين} فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر وإقحام الفصل انتهى، وأجازوا في {أن تلقي} وفي {أن نكون} النصب أي اختر وافعل إما إلقاءك وإما أمرك الإلقاء أي البداءة به أو إما أمرنا الإلقاء فيكون خبر مبتدأ محذوف ودخلت {أن} لأنه لا يكون الفعل وحده مفعولًا ولا مبتدأ بخلاف قوله: {وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذّبهم وإما يتوب عليهم} فالفعل بعد {أما} هنا خبر ثان لقوله: {وآخرون} أو صفة فليس من مواضع أن ومفعول {تلقي} محذوف أي إما أن تلقي عصاك وكذلك مفعول {الملقين} أي الملقين العصى والحبال. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}.
{قَالُواْ} استئنافٌ كما مر كأنه قيل: فماذا فعلوا بعد ذلك؟ فقيل: قالوا متصدّين لشأنهم مخاطِبين لموسى عليه السلام: {ياموسى إِمَّا أَن تُلْقِىَ} ما تلقي أولًا {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} أي لِما نُلقي أولًا، أو الفاعلين للإلقاء أولًا، خيّروه عليه السلام بالبدء بالإلقاءِ مراعاةً للأدب وإظهارًا للجلادة وأنه لا يختلف حالُهم بالتقديم والتأخير، ولكن كانت رغبتُهم في التقديم كما ينبئ عنه تغييرُهم للنظم بتعريف الخبر، وتوسيطُ ضميرِ الفصل وتأكيدِ الضمير المتصل. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}.
{قَالُواْ} استئناف كنظيره السابق {يا موسى إِمَّا أَن تُلْقِىَ} ما تلقى أو لا {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} لما نلقى أو لا أو الفاعلين للإلقاء أو لا خيروه عليه السلام بالبدء بالإلقاء مراعاة للأدب ولذلك كما قيل من الله تعالى عليهم بما منّ، أو إظهارًا للجلادة وأنه لا يختلف عليهم الحال بالتقديم والتأخير، ولكن كانت رغبتهم في التقديم كما ينبى عنه تغييرهم للنظر بتعريف الخبر وتوسيط ضمير الفصل وتوكيد الضمير المستتر، والظاهر أنه وقع في المحكى كذلك بما يرادفه، وقول الجلال السيوطي: إن الضمير المنفصل إما أن يكون فصلًا أو تأكيدًا ولا يمكن الجمع بينهما لأنه على الأول لا محل له من الإعراب وعلى الثاني له محل كالمؤكد وهم كما لا يخفى.
وفرق الطيبي بين كون الضمير فصلًا وبين كونه توكيدًا بأن التوكيد يرفع التجوز عن المسند إليه فيلزم التخصيص من تعريف الخبر، أي نحن نلقى البتة لا غيرنا، والفصل يخصص الإلقاء بهم لتخصيص المسند إليه فيعرى عن التوكيد، وتحقيق ذلك يطلب من محله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وفصلت جملة: {قالوا يا موسى} لوقوعها في طريقة المحاورة بينهم وبين فرعون وموسى، لأن هؤلاء هم أهل الكلام في ذلك المجمع.
و{إمّا} حرف يدل على الترديد بين أحد شيئين أو أشياء، ولا عمل له ولا هو معمول، وما بعده يكون معمولًا للعامل الذي في الكلام.
ويَكون {إما} بمنزلة جزء كلمة مثل أل المعرفة، كقول تأبط شرًا:
هُمَا خُطّتَا إما إسارٍ ومنّةٍ ** وإمّا دَممٍ والموتُ بالحر أجدر

وقوله: {أنْ تُلْقي} وقوله: {أن نكون نحن الملقين} يجوز كونهما في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف، أي إما إلقاؤك مقدم وإما كوننا ملقين مقدم، وقد دل على الخبر المقام لأنهم جاءوا لإلقاء آلات سحرهم، وزعموا أن موسى مثلهم.
وفي الكشاف في سورة طه، جَعَل {إما أن تلقي} خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا، ولما كان الواقع لا يخلو عن أحد هذين الأمرين لم يكن المقصود بالخبر الفائدة لأنها ضرورية، فلا يحسن الإخبار بها مثل: السماء فوقنا، فتعين أن يكون الكلام مستعملًا في معنى غير الإخبار، وذلك هو التخيير أي: إِما أن تبتدىء بإلقاء آلات سحرك وإما أن نبتدىء، فاختر أنت أحد مرين ومن هنا جازَ جَعل المصدرين المنسبكين في محل نصب بفعل تخيير محذوف، كما قدره الفراء وجوزه في الكشاف في سورة طه، أي: اختر أن تلقي أو كوننا الملقين، أي: في الأولية، ابتدأ السحرة موسى بالتخيير في التقدم إظهارًا لثقتهم بمقدرتهم وإنهم الغالبون، سواء ابتدأ السحرة موسى بالأعمال أم كانوا هم المبتدئين، ووجه دلالة التخيير على ذلك أن التقدم في التخييلات والشعوذة أنجح للبادىء لأن بديهتها تمضي في النفوس وتستقر فيها، فتكون النفوس أشد تأثرًا بها من تأثرها بما يأتي بعدها، ولعلهم مع ذلك أرادوا أن يسبروا مقدار ثقة موسى بمعرفته مما يبدو منه من استواء الأمرين عنده أو من الحرص على أن يكون هو المقدم، فإن لاستضعاف النفس تأثيرًا عظيمًا في استرهابَها وإبطال حيلتها، وقد جاءوا في جانبهم بكلام يسترهب موسى ويهول شأنهم في نفسه، إذ اعتنوا بما يدل على ذواتهم بزيادة تقرير الدلالة في نفس السامع المعبر عنها في حكاية كلامهم بتأكيد الضمير في قوله: {وإما أن نكون نحن الملقين}.
وبذلك تعلم أن المقام لا يصلح لاحتمال أنهم دلوا على رغبتهم في أن يُلقوا سحرهم قبل موسى، لأن ذلك ينافي إظهار استواء الأمرين عندهم، خلافًا لما في الكشاف وغيره، ولذلك كان في جواب موسى إياهم بقوله: {ألْقُوا} استخفافٌ بأمرهم إذ مكّنهم من مباداة إظهار تخييلاتهم وسحرهم، لأن الله قوّى نفس موسى بذلك الجواب لتكون غلبته عليهم بعد أن كانوا هم المبتدئين أوقعَ حجةٍ وأقطع معذرة، وبهذا يظهر أن ليس في أمر موسى عليه السلام إياهم بالتقدم ما يقتضي تسويغ معارضة دعوة الحق لأن القوم كانوا معروفين بالكفر بما جاء به موسى فليس في معارضتهم إياه تجديد كفر، ولأنهم جاءوا مصممين على معارضته فليس الإذن لهم تسويغًا، ولكنهم خيروه في التقدم أو يتقدموا فاختار أن يتقدموا لحكمة إلهية تزيد المعجزة ظهورًا، ولأن في تقديمه إياهم إبلاغًا في إقامة الحجة عليهم، ولعل الله ألقى في نفسه ذلك، وفي هذا دليل على جواز الابتداء بتقرير الشبهة للذي يثق بأنه سيدفعها. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}.
ونلحظ أنهم لم يؤكدوا لموسى رغبتهم في أن يلقي هو أولا عصاه. ولكنهم أكدوا رغبتهم في أن يكونوا هم أول الملقين. فجاءوا بضمير الفصل وهو {نحن} الذي يفيد التأكيد.
ونعلم أن مَن يعقِّب ويكون عمله تاليا لمن سبقه، فإن فعله هو الذي سيترتب عليه الحكم. ولابد أن يكون قوي الحجة. هم يريدون أم يكونوا هم المعقبين، وأن موسى الذي يبدأ، لكن عزتهم تفرض عليهم أن يبدأوا هم أولًا؛ لذلك جاءوا بالعبارة التي تحمل المعنيين: {إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} [الأعراف: 115].
فعلم موسى أنهم حريصون، على أن يبدأوا هم بالإِلقاء فأتوا بكلمة {نحن}. وفكر موسى أن من صالحه أن يلقوا هم أولًا؛ لأن عصاه ستلقف وتبتلع ما يلقون؛ لذلك يأتي قوله سبحانه: {قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ النَّاسِ...}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال في ملاك التأويل:
قوله تعالى: {قالوا يا موسى إما ان تلقى وإما أن نكون نحن الملقين} وفى طه: {قالوا ياموسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى} وهنا سؤالان: أحدهما أن كلام السحرة وتخييرهم في الإلقاء على ظاهر السياق كان في موطن واحد فما وجه الاختلاف ما ورد في السورتين؟ والثانى ما وجه اختصاص كل من السورتين بما ورد فيها؟
والجواب عن الأول: أن لا يلزم من الآية أن كلام السحرة هذا كان في موطن واحد بل لعله كان في موطنين أو لعله قد تكرر منهم وإن كان في موطن واحد أو لعل بعضهم قال هذا وقال بعضهم هذا أو لعل المعنى الذي حكى عنهم تعطيه العبارتان وهذا أقرب شيء لما بين اللغات من اختلاف المقاصد عند المواضع الأولى أو قصد الإلهام على الخلاف في ذلك ومع هذه الإمكانات يسقط الاعتراض رأسا.
والجواب عن السؤال الثانى: أن كل واحدة من الآيتين جرت على وفق فواصل تلك السورة ورؤس آياتها فالعكس لا يناسب بوجه فوجب اختصاص كل سورة بما ورد فيها. اهـ.